د. راكز الزعارير
الأردن مقبل على مرحلة جديدة وهامة جداً في تاريخه السياسي المعاصر المتمثلة بالتحديث الديمقراطي والعمل الحزبي الدستوري المنظم، الذي سيكون أحد أهم مرتكزات الانتخابات البرلمانية المقبلة عام ٢٠٢٤ وأهم مكونات مجلس النواب المنتخب، وسيكون هناك لون جديدً شكلا ومضمونا للمعارضة السياسية في البرلمان من المكون الحزبي العريض، كأحد أبرز ملامح الحياة السياسية والبرلمانية الأردنية الحديثة.
يحتاج أي نظام سياسي ناجح في العالم ليحظى بثقة متبادلة بينه وبين الشعب الذي يحكمه، إلى معارضة سياسية واقتصادية واجتماعية راشدة تصحح الاداء التنفيذي للسياسات الحكومية ضمن مؤسسات الدولة الدستورية، وأهم هذه المؤسسات وأكثرها انتشاراً في النظام الدولي حالياً البرلمانات ومجالس الشورى المنتخبة من قبل الشعوب، لتنوب عنهم بالمشاركة في رسم وتنفيذ السياسات العامة في الدولة وتشكيل الحكومات أو منحها الثقة والشرعية للعمل، أي تفوضها نيابة عن الناخبين لتنفيذ سياسات مرسومة ومحددة ضمن استراتيجيات واضحة لمستقبل الدولة ومواطنيها.
في الأردن يعتبر خطاب العرش السامي في الافتتاحيات الرسمية لدورات مجلس الأمة حتى الآن، وهو يحدد الاستراتيجيات العامة كبرنامج عمل مستقبلي للحكومات لخدمة الوطن والمواطنين، وتسهيل حياتهم واحتياجاتهم الأساسية والحياتية مثل؛ الأجور والرواتب، تكاليف المعيشة، التعليم، العناية الصحية، النقل، فرص العمل، المسكن والأمن المجتمعي، بالإضافة إلى الحريات العامة الأساسية وعلى رأسها حريات التعبير ومنظومة الحريات الدستورية.
في واقع الحال لا يمكن في فن «الحكم الحديث»، أن يتم ضبط عمل الحكومات إلا من خلال أمرين أساسيين هما: رقابة سياسية متمثلة بالبرلمان المنتخب، والثاني معارضة رشيدة تضع المصالح الوطنية العليا فوق كل الاعتبارات الشخصية والحزبية والعرقية والطائفية والمذهبية، وتكون قادرة على أن تتسلم السلطة بكفاءة أكبر من الحكومة القائمة على السلطة، في الوقت الذي يطلب منها رأس الدولة ذلك.
معايير تقيم المعارضة الرشيدة عديدة يتصدرها أن تكون المعارضة قادرة على نقد ما تشاء من السياسات الحكومية واجراءاتها التنفيذية باحترام وبرأي أصوب من رأي من هم على رأس السلطة التنفيذية.
المعارضة الرشيدة أيضاً هي التي تستطيع أن تشكل قاعدة برلمانية عريضة تمثل أكبر شريحة اجتماعية من المواطنين الناخبين من مختلف المناطق والدوائر الانتخابية، وتستطيع ببرامجها القوية والمقنعة أن تنتزع الثقة من الحكومات، وطرح بدائل وسياسات تنفيذية أكثر صوابًا وجدوى من الحكومات.
كما أن المعارضة يجب أن تكون قادرة أو تستطيع كسب ثقة مجلس الأمة في حال تكليفها من الملك بتشكيل الحكومة، واذا تمكنت من ذلك فأنها تتحمل مسؤوليتها مضاعفة عن سابقتها من الحكومات، لأنه يقع على عاتقها حينذاك مسؤولية التصليح والإصلاح.
المعارضة الوطنية الرشيدة الناضجة وغير الاستعلائية، هي ملح الأرض بالنسبة للمواطنين والمؤسسات الوطنية في الأردن، أو في اي مكان لانها عين الشعب الذي كلفها من خلال صناديق الاقتراع بمتابعة الاداء العام في الدولة.
إن ما يحتاجه «الوطن» الأردن اليوم، ضمن رؤية منظومة الإصلاح التي تبناها وأطلاقها جلالة الملك عبدالله الثاني، تستدعي بناء معارضة أردنية وطنية مؤمنة تستطيع أن تقدم البرامج الخلاقة والإبداع لمعالجة ومواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة والمجتمع من خلال ادائها في البرلمان، ودمج أكبر عدد من الأحزاب لنخرج بنتيجة مشاريع حكومات برلمانية تلتزم ببرامج موضوعية، ترسم وتوضح بجلاء سياساتها العامة والتنفيذية وإستراتيجياتها الرئيسية والفرعية، وتكون مسؤولة أمام الملك والشعب عن أي تقصير حكومي على مستويات الاداء والتنفيذ، وذلك بما يحقق المصلحة الوطنية العليا للوطن والمواطنين، ويرسخ الوحدة الوطنية، وتتقدم الدولة في شتى المجالات بحزمة واحدة نوعية وقوية وناجحة في مئويتها الثانية.
[email protected]